الأحد، 17 نوفمبر 2013

الإلحاد ..بين الاقرار بوجود الخلق ونفي وجود الخالق .

بسم الله الرحمن الرحيم نحمده و نصلي على رسوله الكريم

  الله تعالى فطر الإنسان على فطرة سلمية تقرّ بتوحيده وتفريده  * فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا * فالله تعالى من أحسن خلقه  * صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً * فكل انسان في الحقيقة مفطورعلى التوحيد و الفضيلة والخير والتقوى ومكارم الأخلاق ، وهذا متضن قوله تعالى *وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنّا كنا عن هذا غافلين * سورة الاعراف

 فلم يجعله كالملاك مسيرا * لم يعصمه * إنّما جعله مخيّرا * ليبتليه * فالابتلاء امتحان دنيوي هدفه رّقي الانسان ، فإذا كان الله تعالى خلق مخلوقا مسيّرا معصوما سمّاه *الملاك * أوكل إليه تدبير الأمور ونواميسها ، كما أودع مصادر الشرّ كلّها في الشيطان ، فإنّه أيضا خلق مخلوقا بشريا مخيّرا سمّاه الانسان ، هذا الانسان جهزّه بكل ما  يحتاجه لاجتياز امتحان الحياة الدنيا وما يؤهله للمرور إلى الحياة الآخرة فجعل تقواه ترفعه فوق مرتبة الملاك إن أراد التقى وتمسك به كمطلب اساسي لا يحيد عنه ، بينما يكون أسفل السافلين لو اختار طريق الفسق والفجور   فيكون أسوء من شيطان ..

ولأنّ الإنسان يحتاج للتذكرة والتذكير فإن الله تعالى لم يهمله أو غفل عنه بل لا زال يبعث بالمذكرين من عنده في كل حين ليذكرّوا الإنسان بما فطره الله عليه من خير ، أولئك المذكرّون هم رسل الله تعالى من بني البشر وصفوة خلقه ممن حقّ اطفاؤهم ليكونوا منارات للهدى وسبل النجاة قال تعالى *فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ* لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ‎*سورة الغاشية  

إنّ العبادة في حقيقتها هي معرفة الله تعالى وهذا أهمّ مطلب من خلق الإنسان * وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * ولأن الذات الإلهية منزهة عن مشابهة المخلوقات فإن العقل البشري يحتاج لما يربطه بها ، فقد جعل الله تعالى من صفاته وأسمائه والتي تسير عليها كلّ قوانين و نواميس الحياة ما عرفناه منها بحدود عقلنا  وعلمنا وما لايزال مخفيا عنا ، هو أهم رابط بين الانسان وخالقه وعلى قدر فهم الإنسان لصفات الكمال التي يتصف بها خالقه تنكشف معرفته لربه .

إنّ الإلحاد ليس فكرة وليدة الظروف إنمّا هو في الحقيقة نتيجة حتمية ناشئة عن جهل الإنسان بأسماء وصفات الكمال التي يتصف بها خالقه ، وقد أشار الله تعالى في القرآن الكريم إلى ذلك في قوله تعالى *وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ * سورة الأعراف 

فالجهل بحقيقة أسماء وصفات الله تعالى والتي عليها تقوم كل قوانين الحياة ونواميسها يجعل الإنسان يلحد ويدعي عدم وجود الخالق رغم تمسكه واعترافه بوجود المخلوق الذي لابد له من خالق !!! 

إنّ هذا التناقض عند الملحد بإقراره بوجود المخلوق ونفيه لوجود الخالق هو ما يجعله ينسب الوجود والخلق إلى نشوء طبيعي تطوّري في أطوار الحياة ، وحتى لو سلّمنا جدلا بقوله هذا فلا بد لنا من التسليم بوجود قوة حكيمة رافقت تشكل الحياة والموجودات في كلّ أطوارها ، إذ هذا التكوين الطبيعي الذي يدعيه الملحد لولا حكمة بالغة ترافقه لما تمت هندسته وايجاده بأشكال ونماذج لها من الدّقة ما يقف العلم عاجزا عن وصفها ، تلك الدّقة وذلك التنوع المثير في أدّق تفاصيل المادة واختلافها باختلاف النوع أو الجنس وما يدّب فيها من حياة دقيقة جدا يشكل أكبر دليل على وجود عناية عليمة وحكيمة ترافق نشوء كل الموجودات ، قد يسمّي الملحد تلك القوة بالصدفة إلا أنّه يعترف في قرارة نفسه أنّ الصدفة أعجز من أن تنشيء كلّ تلك الموجودات بدقائقها واعجازها الوجودي .

ولابدّ هنا أن نعرّج على مبدأ التطورفعلى فرض أنّ الانسان قد تشكل وتطوّر عن مخلوق آخر غير البشر فعلينا الإقرار أنّه لابد أن يتطور إلى كائن آخر مستقبلا وتنتهي حياة الانسان وبمقتضى أن الإنسان قد تطور من الأسوء إلى الأفضل فمعنى ذلك أنّ حياته المستقبلية الحتمية سيكون فيها أفضل وأحسن ، وهذه الفكرة في حد ذاتها هي عين ما يقرّه القرآن الكريم كفكرة ويخالف فيها الملحدين في الكيفية والمعنى ، فالاسنان في بداية خلقه لم يكن شيئا مذكورا ، قال تعالى * هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا* سورة الانسان ، كما وعده الله تعالى بحياة أفضل مستقبلا قال ، تعالى * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَن نُّبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنشِئَكُمْ فِي مَا لَا تَعْلَمُونَ* سورة الواقعة ، بل إن مبدأ التطور نفسه هو ما بيّنه الله تعالى في خلق الانسان ، قال تعالى *مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا * وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا* سورة نوح .

ومن الأدلة التي تقف حاجزا أمام الملحد ولن يجد لها إجابة سوى الإقرار بوجود خالق حكيم عليم مدبر للكون وللخلق هي خلق الإنسان نفسه ، فوجود الإنسان آية عظيمة للتدليل على واجد له ولهذه الحياة كلّها ، قال تعالى * سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد * سورة فصلت ، إنّ تميّز الإنسان بالعقل والتطور المدني والتكنلوجي والاجتماعي والترقي الخلقي لهو أكبر دليل على وجود خالق مدبّر ميّز الإنسان عن غيره من الموجودات الأخرى فأي صدفة هذه التي تميّز مخلوقا وحيدا عن غيره بينما تترك المخلوقات الأخرى بلا عقل ولا ادراك !!! بل إن تميّزه هذا راجع إلى عناية وتدبير خالق حكيم عليم مدبر قيّوم ، إذ جعل تميّزه ذلك مدعاة لانزال وحيه عليه ، فوجود الدين مرتبط بوجود الإنسان وليس مجرد فكرة طارئة كما يحاول بعض الملحدين اشاعة ذلك .

إن نظرية نشوء الإله التي يروج لها بعض الملحدين والتي حسب زعمهم منبعها عدة مؤثرات وظروف عاشها الانسان وأحاطت به مثل * الخوف / الغباء/ حب التملك / بساطة الفكر والعيش/ تخيل وجود إله يشبههم/ العزلة / الظروف المحيطة / المؤثرات الطبيعية * لهي نظرية باطلة ينقدها الواقع بداية فلما ياترى لا تجعل الظروف والمؤثرات الحالية الإنسان اليوم يخترع ربا جديدا يتماشى مع متطلباته وأحواله في زمننا هذا !!

- فالخوف مثلا يجعل الانسان يهرب وينفر ويحتقر من يخيفه ، فكيف نتصور أنه سيعبد من يخافه ويسجد له في راحة وأمان !!!
- كذلك الغباء فهو في أحسن حالاته يجعل الانسان يتصرف كحيوان ، والحيوانات لن تخترع وجود الاه ولا سمعنا أنّها فعلت ذلك !!!
- كذلك حب التملك يجعل الانسان يسعى لاستعباد الناس وفرض عبودية زائفة لايقرّها له غيره وفكرة ادعاء الألوهية فكرة غبية سرعان ما تنكشف وينفض الناس عنها 
- بالنسبة لبساطة الفكر والعيش فهي تجعل الإنسان يعيش في حدود ما هو موجود بدون ابداع ولا طموح . وفكرة وجود إله لابد لها من ابداع وطموح !!!
- كذلك فإن فكرة تخيل إله يشبه الانسان فهي في الحقيقة تؤكد فكرة وجود الاله من قبل لذلك يسعى الانسان لتقليده بل وإلى تخيله .
- بالنسبة للعزلة فهي في أحسن حالاتها تجعل الإنسان يعيش في حيّز محدود بما هو موجود لديه بدون تطلع لشيء آخر جديد فمابالك بفكرة اختراع إله !!!
- إنّ الظروف المحيطة بالإنسان في الواقع تجعله  يتأقلم مع ظروفه لا أن يخترع شيء جديد قد لا يعرف كنهه .
- أمّا الظروف الطبيعية فأبدا ليست كفيلة بفكرة إيجاد إله ، والا لوجدنا آلهة جديدة أخترعت بعد تسونامي وزلزال اليابان وما شهده العالم من كوارث لا تعد ولأصبحت الأرباب لا تعد ولا تحصى !!!

بل الحق الذي لن يستطيع إنسان انكاره والذي تثبته الفطرة الانسانية السوية أن الله الحكيم العليم صاحب صفات الكمال مظهر كل المحاسن المنزّه عن كل عيب أو نقيصة هو من خلق كلّ الموجودات واودع حكمته في خلقها لتكون دليلا على قدرته وعظمته وقد اختار الانسان من بين مخلوقاته ليشرفه بالعقل والادراك ويحيي فطرته بتعاليم ربانية جعلها دينا له ولا زال يبعث برسله إلى بني جنسهم كمنارات للهدى وسبل النجاة والفلاح والرّقي ، وكما بدأ الله تعالى هذه الحياة من عدم وبتدبير يخرّ له العلماء سجدأ فهو قد وعد بحياة أخرى أعظم وأرقى فقال تعالى مخاطبا فينا حسّ الباحث المتدبر* قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* سورة العنكبوت 

 

والصلاة والسلام على رسولنا المصطفى خاتم النبيين وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين .

 

أبو عماد الجزائري  

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق