الثلاثاء، 24 سبتمبر 2013

حال الأمة والطريق الأقوم للحل

بسم الله الرحمن الرحيم نحمده و نصلي على رسوله الكريم

الأمة تعيش فترة عصيبة جدا من التناحر والتقاتل لدرجة أصبح العنف هو اللّغة السائدة والحكم الفصل في كل قضية وهذا العنف تغذيه الاحقاد الشخصية والطائفية والقومية لتزداد الفرقة وتتشرذم الأمة فتهدر الدماء البريئة وتنتهك الأعراض وتدمر الحياة ومرافقها ..

نسمع كلّ فصيل يدعي أنه على الحق ويتهم الفصيل الآخر وكل فصيل يدعي أن الفصيل الآخر هو الباديء وهو في حالة دفاع مشروع وتستمر هذه الحلقة مخلفة دمارا شاملا غير مسبوق والخاسر الوحيد هو الجميع .

لن أتحدث في هذا الموضوع من وجهة سياسية فذلك لا يخصني ولا يستهويني إنما أحاول من خلال محاكات بعض الآيات القرآنية تسليط الضوء على المنهج الصحيح للحل والذي لن ترتاح الامة إلا بالعودة إليه وتبنّيه لو بعد مائة عام من الفوضى والعنف .

يقول الله تعالى *وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* سورة الحجرات

في هذه الآية الكريمة حدد الله تعالى الطريق الأنجع في التعامل مع الوضع في حال تقاتل فئتين كلاهما يدعي أنه على الحق ، فجعل الحل في الاصلاح بين الطرفين وإلزامهما بذلك الصلح ، والمعلوم أن الصلح معناه تقديم المصلحة العامة ففيه انتصار على الدوافع النفسانية الشخصية التي تؤز الانسان ازّا وتؤجج فيه نار الحقد والثأر ، فمن انتصر على تلك الشرور وقمعها فإنه يقبل على الصلح مستبشرا راضيا جاعل المصلحة العامة فوق كل اعتبار ، أما من غرّته أمانيه وغلبه سلطان شيطانه فتراه لا يستسيغ إلا لغة العنف والدمار متناسيا أنّه بذلك يدمر نفسه بيده ولا يريد إلا أن يكون مفسدا في الأرض لذلك أوجب الله تعالى مقاتلة تلك *الفئة الباغية * حتى تفيء إلى أمر الله اي حتى تتخلى عن تلك الاهواء النفسانية و الشيطانية الشريرة  المدمرة وترتضي الصلح حقنا للدماء ووقفا للفساد والإفساد والشر .

ومما يلاحظ في الآية الكريمة هو أن القائمين على الصلح هم من يتولون مهمة مقاتلة الفئة الباغية دون أن يشترك معهم في ذلك القتال الطرف الآخر الذي قبل الصلح وارتضاه ، لان مقاتلة الفئة الباغية ليس معناه مناصرة الطرف الذي قبل بالصلح فقد يكون هو المخطيء وهو اصل النزاع ، إنما الهدف من مقاتلة الفئة الباغية هو تحقيق امر الله تعالى وحمل المتقاتلين إلى مائدة الصلح واحلال السلم والأمن .

ثم تستمر الآية موضحة أن النصر سيكون حليف القائمين على الصلح لا محالة لأنهم يمثلون أمر الله تعالى ولما تفيء تلك الفئة الباغية إلى الصلح يعقد الصلح بين الفئتين المتقاتلتين بالعدل اي باعطاء كل ذي حق حقه وقد يكون الحق الى جانب الفئة الثانية التي تم مقاتلتها لتعود إلى الصلح ،بمعنى أن على المصلحين أن يعودوا إلى أصل المشكلة والنزاع ويحكموا فيها بالعدل بلا ميل فإن تم ذلك بإذن الله قسموا الحقوق بالقسط بحيث تكون الحقوق متساوية دون تغليب شوكة طرف على الآخر .

هذا هو الطريق الأقسط والأفضل في حل النزاعات على أن تكون نية القائمين بالصلح صادقة لله خالصة للحق فالله تعالى يقول في أدنى من ذلك في الصلح *وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا*سورة النساء

فالله تعالى أمره هو الصلح والاصلاح وسيتحقق ذلك ما كانت نية القائمين على الصلح صادقة لله لذلك لم يقل مثلا *إن يريدا تفريقا يوفق الله بينهما * بل أكدّ أن طريق الصلح يباركه الله ويحققه .

القوة والعنف لا تولد إلاّ المزيد من الأحقاد والخلافات ولا تحقق سوى الفوضى واستباحة الدماء والأعراض ونشر الفساد ، وكلّ ذلك تغذيه الثوائر النفسانية والأماني الشيطانية ، لا خير في أمة تركت نهج ربها الداعي إلى الصلح والاصلاح وتمسكت بأمر شيطانها يزين لها الفساد والشر بدعوى أنها مظلومة وتسعى إلى استرداد حقوقها المسلوبة .

ندعوا الله تعالى أن يستفيق الناس من غفلتهم وأن يتصرف العقلاء بحكمتهم و أن يعود الجميع إلى أمر الله مقدمين المصلحة العامة على الأطماع الشخصية والأهواء النفسانية وأن يتفطنوا للنعرات الشيطانية التي تدعوهم إلى المزيد من الفساد والدمار والخراب تحت مسمى استرداد الحقوق !!!

وصدق الصادق الأمين حين قال في زمن الفتنة *أَنَّ بَيْنَ يَدَيْ السَّاعَةِ الْهَرْجَ . قِيلَ : وَمَا الْهَرْجُ ؟ قَال : الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ . قَالُوا : أَكْثَرَ مِمَّا نَقْتُلُ الْآنَ ؟ قَالَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا ، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ . قَالُوا : سُبْحَانَ اللَّهِ ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا ؟ قالَ : لَا ، إِلَّا أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أَنَّهُ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ* رواه أحمد

والصلاة والسلام على رسولنا المصطفى خاتم النبيين وآخر دعونا أن الحمد لله رب العالمين

  أبو عماد الجزائري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق